احلامنا سبب سعادتنا ، وعدم تحقيقها سبب حزننا ، وآمالنا في تحقيقها سبب صبرنا ، وفرحتنا عندما يتأثر آخرون بها ، وكربنا عندما ندرك أن نؤثر علي غيرنا بها ، وكل ما يشغل بالنا هي رسم السعادة بها علي ثغور الآخرين ، سواء تأخرت أحلامنا أم تسابقت إلينا سنظل حتما ننتظرها بلهفة لأنها مصدر طاقة حياتنا ، وهل للحياة معني بدون أحلام .
الكُتاب أو المكتب أو المقرأة أو مكان تحفيظ القرآن ، لي ولأسرتي معه حكايات وقصص وروايات وتشعبات ، أبي حفظ عشرين جزء من القرآن وهو طفل ولكنه كره الشيخ أو المحفظ أو مولانا أو سيدنا ، وذلك لأن جدي أبو أبي قرر بعد ان فطن لسرعة حفظ أبي ، أن يحضر له محفظ بالبيت أو بالدار ، مقابل نصف جنيه شهرياً في حين أن مولانا الشيخ كان يأخذ علي الطفل الواحد 5 قروش شهريا أو نصف ريال - 20 قرش - علي تحفيظ الجزء الواحد ، كما وعد جدي المحفظ إياه بكسوة جميلة ومتينة يلبسها أعيان مصر فقط في تلك الفترة وهي مكونة من الجبة والعمة والكاكولا والقفطان ولا تسألني عن معناهم لأن كل واحده منهم تحتاج لقاموس ، لذا اجبر أبي علي الإقامة الجبرية مع الشيخ من أجل الإسراع في حفظ القرآن مما أدي لعدم خروج أبي من البيت واللعب مع أقرانه مما أدي لبعضه للشيخ أحيانا إلم يكن دائماً .
أما أخي ولو يكن يحفظ بل كان يشاهد نعم فأثناء مروره بكتاب أحد الشيوخ رأي الشيخ وهو يمد ( والمد هو الضرب المبرح بالعصا علي بطن القدم ) بعض الطلاب أو الأطفال المطلوب تحفظيهم ، فتوقف الأخ للمشاهدة وهو ما أثار حفيظة المحفظ كما أثار غضبه عندما رأي أخي المشاهد وأمر الطلاب الذين لم يمدوا بعد بإحضاره لكي يمد ، وفي لمح البصر أبصر الأطفال النجاة من الشيخ بتقديم أخي كعربون أو هدية محبة ، فهرولوا تجاه الأخ وبمجرد إدراك أخي لما سيحدث فر هارباً وأطفال الكتاب خلفه ، واحتمي أخي بأحد المارة فحماه من الأطفال ، وبمجرد وصول أخي للبيت وهو يبكي بكاءاً يفطر القلوب و الدموع متدفقة من عينه كالشلال ، فسأل أبي عن السبب فأخبره أن الشيخ الفلاني مده وأوجعه ضرباً فسأله أبي سؤال الأب المفطور علي ولده المضروب أمتأكد أن هذا ما حصل ؟ فأقسم أخي الباكي بالأيمان الغلاظ أن هذا ما حدث وأن الشيخ أوجعه ضرباً ، وأخذ أبي أخي بسرعة معه إلي الشيخ ليريه كيف يمد ولاد الناس بدون سبب وبدون معرفه حتي ، وصمم أبي أنه كما مد أخي بدون سبب سوف يدمه اخي بدون سبب والعين بالعين ، ولو استسماح الناس لمُد الشيخ ، ورغم كذب أخي إلا أني أعذره لِما ارتسم علي محياه الرعب وظهرت ظلال الخوف في عينه عند الأمر باحضاره ليمد .
أما العبدلله فقد حفظت الجزء الأول في أربع سنوات مع أن الآخرين حفظوا الثلاثين جزء في سنتين و ذلك لأني كنت كثير الغياب ، اتعمد عدم الذهاب بأي طريقة وعندما اذهب للحفظ كنا نختبأ أنا والأصدقاء في ثنايات المسجد ونلعب استغماية أو امسك ومسك وكانت النتيجة غالبا جري الشيخ ورائنا بالشمروخ والشمروخ هذا عبارة عن عصاه تخرج من اعلاها سير سيارة أو غساله أو أي شيء يؤلم ويظهر آثاره علي الجسد حتي يصبح الطفل المضروب عبره ، وكنا نهرب منه كما يهرب الدجاج أو البط عند مطاردته ، وإنت وحظك بقي تاخذ هبدة أو هبتدين من الشمروخ أو تعدي وغالباً ما كان الشيخ يحفظ وجوه الأطفال المطاردين وكان يقتص منا عندما نذهب للتسميع ، وفي أحد المرات صنعت برطمان من القهوة في الصباح وهربتها من البيت وأخذتها معي للكتاب ، وعندما استأذن أحد الأطفال مولانا لمرضه ، شربت البرطمان وادعيت الآلام المبرحة في بطني فسمح لي أنا الآخر وعلي الرغم من بقاء طوال اليوم في المنزل إلا أنه خير من مولانا إياه .